يكبر الأطفال وتتوالى الأجيال وتتطور المناهج وتزيد دورات تطوير أساليب التربية والتعليم وتنمو خبرة المعلمين والمعلمات ويتقاعدون ويأتي غيرهم بعلوم وأفكار وأساليب تعليمية وتربوية جديدة للتطبيق.

وبالرغم من تنوع النشاطات المنهجية واللامنهجية المقدمة للطلاب والجهود المبذولة في الإعداد والتنظيم لكل نشاط من قبل فريق الهيئة التعليمية ككل، من قائد ووكيل ومساعد ومشرف وغيرهم من الأعضاء، هادفين بشكل أساسي للوصول إلى المخرج التعليمي المطلوب والمرجو من الطالب استيعابه وفهمه في نهاية العام،  تجد الطالب ، في واقع الحال، قد استوعب وفهم ونجح في العام الدراسي، ولكن في نهاية الأمر لا نزال غالبا نسمع من الطلاب، تحديداً الأطفال، خلال العام الدراسي وأيضاً في الإجازات وبالذات حين العودة إلى المدارس:  “أنا ما أحب المدرسة!

لماذا تستمر هذه المشاعر السلبية ويكبر معها أطفالنا والتي تؤثر سلبياً في تحديد مصير ومستوى تطور التعليم لدى الطفل؟. عناصر كثيرة ومهمة تؤثر وتعكس هذه المشاعر من كره إلى حب ولكنها للأسف إما أنها مهمشة أو لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل أساسي ومهم في مناهج تطوير أساليب التربية والتعليم للتطبيق بشكل فعّال في الميدان الأكاديمي. هناك إهمال في التركيز على أهمية بناء شخصية الطفل وأهمية جذب الطالب لحب التعليم من خلال سلوك المعلم وتأثيره.

الكثير من التربوين كتبوا عن صفات المعلم الناجح أو المعلم المؤثر لما للمعلم من دور مهم وأساسي في التأثيرعلى العملية التعليمية للطالب بدرجة كبيرة حيث أن العملية التعليمية لا تكتمل ولا تتحقق إلا مع وجود المعلم الكفؤ والمؤثر مهما تكاملت بقية العناصر، فالمعلم مهمته ودوره الأساسي ليس فقط نقل المعلومات والمعرفة للطلاب بل تكمن المهمة في بناء شخصية الطالب والمساهمة في تكوين اتجاهاته التربوية والسلوكية إيجاباً بالإضافة إلى العمل على جذب الطلاب والتأثير فيهم حتى تبعث في نفوسهم الرغبة في الدراسة وحب التعليم والإقبال عليه، فالمعلم يؤثر في فكر وسلوك وعواطف ومشاعر الطالب، وبناءً على ذلك فمن المفترض أن يكون المعلم ذو قيم بالأساس أو يسعى لاكتساب قيم حتى تتحول هذه القيم من قيم مكتسبة إلى قيم ذاتية فيكون بذلك شخص مربي ومؤثر ويُوثَق به، وبالتالي يكون عامل مهم ومؤثر فعَّال للنهوض بالمجتمع وتطويره، وهذا هو المطلوب.

أركز هنا على الطفل في السنوات الأولى، أي المراحل التأسيسية، التي تعتبر مدخلاً للعجلة التعليمية، وتركيزي أيضاً على معلمي ومعلمات هذه المرحلة وما يمتلكونه من صفات ومهارات في التأثير على جذب الطفل لحب العلم والتعلم وكل مايخص التعليم كذلك دور وصفات أي مسؤول في أي قطاع آخر يقدم فيه برامج تعليمية وتطويرية وترفيهية للأطفال.

خلال زيارتي لمدينة إسطنبول منذ فترة في إحدى الإجازات الرسمية، تعرفت على سيدة أردنية انتقلت للعيش في تركيا بعد أن كانت تقيم في السعودية لمدة 4 سنوات كما أن لديها أطفال في المراحل التمهيدية والتأسيسية.

طَرحْتُ عليها أسئلة عن أساليب التعليم المطبقة في تركيا والفرق بينها وبين أساليب التعليم المطبقة لدينا في السعودية، ووجدت خلال حديثي معها إجابات لتساؤلاتي. قالت السيدة: ” في السعودية بعد البحث الدقيق بين المدارس وحرصي على إدراج أبنائي في مدارس ذي سمعة ممتازة وجودة في التعليم، وجدت أن القليل من المعلمين تجد فيه الأمانة في التعليم والحرص على استيعاب الطالب للمنهج والحرص على بناء شخصيته من خلال التأثير به، ولذلك اضطررت لتسجيل أبنائي في مدارس خاصة عالية التكلفة لأضمن على الأقل تعليم جيد لأطفالي، ومع مرور الوقت اضطررت لاحقاً لإحضار مدرسين خصوصييِّن لمتابعة واجبات ودروس أولادي لصعوبة المناهج، ناهيك عن عدم انجذاب أطفالي لتعلمها وللمدرسة بشكل عام.

أما في تركيا، لم أضطر لتسجيل أولادي في مدارس خاصة على الرغم من أن الرسوم أقل بكثير مقارنة بالسعودية، ومع ذلك لاحظت اهتمام واحتواء المعلمين للطلاب بطريقة مبهرة، والحرص على انجذاب الطفل له وللمدرسة، بالرغم من أنها مدارس حكومية!. تفاجأت في بداية السنة الأولى من مكوثنا في اسطنبول بمكالمات على فترات من معلمة طفلي التركية للسؤال عن طفلي عن الجانب الشخصي والتعليمي كذلك، ولم تقتصر بمكالمة هاتفية فقط، بل تزور المعلمة طفلي في منزلي بكل تواضع لمتابعة دروسه وتشجيعه، كل ذلك لتعزيز وتوثيق علاقة الطالب مع المدرسة لجذبه لها وللمدرسة. وهكذا الحال مع بقية أطفالي على اختلاف مراحلهم التعليمية واختلاف مدارسهم، أي في جميع مدراس تركيا تجد هذا الأسلوب متبع”. تنهي السيدة حديثها بقولها: “أولادي مبسوطين وهَيْهُونْ بيحكوا تركي وبِيحِبُّوا المدرسة والمْدَرْسين.. غير لما كنا بالسعودية”

إحتواء الطفل” و “العطاء بلا مقابل” هي ما يحتاجه كل طفل يبدأ مساره التعليمي في أي منشأة أكاديمية حتى يُقْبِل على العلم والتعلم بكل انجذاب وحماس وحُب.

لذلك يحتاج المجتمع إلى تسليط الضوء على الإحتواء و العطاء في مناهج تطوير أساليب التربية و التعليم وتفعيلها في كل مدرسة وحضانة وأي مركز يقدم خدمة للأطفال.

أيتها المعلمة والمربية الفاضلة:

نضع بين يديك رسالة من أطفالنا أمانةً.. ولك منا كل التقدير والاحترام والدعاء:

“تواضعي وانزلي لمستواي ..

تحدثي معي وغَيِّري في نبرات صوتك حتى أستوعب جيداً ما تقولين ..

أظهري حبك وحماسك ..

شجعيني ..

تواصلي وتفاعلي معي ..

أظهري اهتمامك بي ..

كوني إيجابية وحافظي على قيمك لأنك قدوتي ..

علميني وساعديني ..

شاركيني همومي وبادري في حلها لي ..

صدقي ما أقوله لك ..

هكذا أريدك .. لأتعلم منك بكل حماس وحب وشوق”

بقلم/ سارة بنت محمد بن عبداللطيف الملحم

مؤسس ملتقى المناهل